فصل: ذكر أخذ بني خفاجة الحجاج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر قتل جماعة من خفاجة:

لما فتح الملك فخر الدولة دير العاقول أتاه سلطان، وعلوان، ورجب، أولاد ثمال الخفاجي، ومعهم أعيان عشائرهم، وضمنوا حماية سقي الفرات، ودفع عقيل عنها، وساروا معه إلى بغداد، فأكرمهم وخلع عليهم، وأمرهم بالمسير مع ذي السعادتين الحسن بن منصور إلى الأنبار، فساروا، فلما صاروا بنواحي الأنبار أفسدوا وعاثوا، فقبض ذو السعادتين على نفر منهم، ثم أطلقهم واستحلفهم على الطاعة، والكف عن الأذى، فأشار كاتب نصرانيٌ من أهل دقوقا على سلطان بن ثمال بالقبض على ذي السعادتين، وأن يظهر أن عقيلاً قد أغاروا، فإذا خرج عسكر ذي السعادتين انفرد به فأخذه. فوصل إلى ذي السعادتين الخبر.
ثم إن سلطاناً أرسل إليه يقول له إن عقيلاً قد قاربوا الأنبار، ويطلب منه إنفاذ العسكر، فقال ذو السعادتين: أنا أركب وآخذ العساكر؛ ثم دافعه إلى أن فات وقت السير، فانتقض على سلطان ما دبره، فأرسل يقول: قد أخذت جماعة من عقيل؛ ثم إن ذا السعادتين صنع طعاماً كثيراً، وحضر عنده سلطان وكاتبه النصراني وجماعة من أعيان خفاجة، فأمر أصحابه بقتل كثير منهم، وقبض على سلطان وكاتبه وجماعته، ونهب بيوتهم وما فيها، وحبس سلطاناً ومن معه ببغداد، حتى شفع فيهم أبو الحسن بن مزيد، وبذل مالاً عنهم فأطلقوا. وذكر ابن نباتة وغيره هذه الحادثة.

.ذكر القدح في نسب العلويين المصريين:

في هذه السنة كتب ببغداد محضر يتضمن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر، وكتب فيه المرتضى وأخوه الرضي وابن البطحاوي العلوي، وابن الأزرق الموسوي، والزكي أبو يعلى عمر بن محمد، ومن القضاة والعلماء ابن الأكفاني وابن الخرزي، وأبو العباس الأبيوردي، وأبو حامد الأسفراييني، والكشفلي، والقدوري، والصيمري، وأبو عبدالله بن البيضاوي، وأبو الفضل النسوي، وأبو عبدالله بن النعمان فقيه الشيعة، وغيرهم، وقد ذكرنا الاختلاف فيهم عند ابتداء دولتهم سنة ست وتسعين ومائتين.

.ذكر أخذ بني خفاجة الحجاج:

في هذه السنة سارت خفاجة إلى واقصة، ونزحوا ماء البرمكي والريان وألقوا فيهما الحنظل؛ ووصل الحجاج من مكة إلى العقبة، فلقيهم خفاجة ومنعوهم الماء، ثم قاتلوهم فلم يكن فيهم امتناع، فأكثروا القتل، وأخذوا الأموال، ولم يسلم من الحاج إلا اليسير، فبلغ الخبر فخر الملك الوزير ببغداد، فسير العساكر في أثرهم، وكتب إلى أبي الحسن علي بن مزيد يأمره بطلب العرب، والأخذ منهم بثأر الحاج، والانتقام، فسار خلفهم فلحقهم وقد قاربوا البصرة، فأوقعوا بهم، فقتل منهم وأسر جمعاً كثيراً، وأخذ من أموال الحاج ما رآه، وكان الباقي قد أخذه العرب وتفرقوا، وأرسل الأسرى وما استرده من أمتعة الحاج إلى الوزير، فحسن موقعه منه.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة توفي أبو الحسن بن اللبان الفرضي في ربيع الأول؛ وتوفي في شهر رمضان عثمان بن عيسى أبو عمرو الباقلاني العابد، وكان مجاب الدعوة، رحمة الله عليه. ثم دخلت:

.سنة ثلاث وأربعمائة:

.ذكر قتل قابوس:

في هذه السنة قتل شمس المعالي قابوس بن وشمكير.
وكان سبب قتله أنه كان مع كثرة فضائله ومناقبه، عظيم السياسة، شديد الأخذ، قليل العفو، يقتل على الذنب اليسير، فضجر أصحابه منه، واستطالوا أيامه، واتفقوا على خلعه والقبض عليه.
وكان حينئذ غائباً عن جرجان، فخفي عليه الأمر، فلم يشعر ذات ليلة إلا وقد أحاط العسكر بباب القلعة التي كان بها، وانتهبوا أمواله، ودوابه، وأرادوا استنزاله من الحصن، فقاتلهم هو ومن معه من خواصه وأصحابه، فعادوا ولم يظفروا به، ودخلوا جرجان واستولوا عليها، وعصوا عليه بها، وبعثوا إلى ابنه منوجهر، وهو بطبرستان، يعرفونه الحال، ويستدعونه ليولوه أمرهم، فأسرع السير نحوهم خوفاً من خروج الأمر عنه، فالتقوا، واتفقوا على طاعته إن هو خلع أباه، فأجابهم إلى ذلك على كرهٍ.
وكان أبوه شمس المعالي قد سار نحو بسطام عند حدوث هذه الفتنة لينظر فيما تسفر عنه، فأخذوا منوجهر معهم، عازمين على قصد والده وإزعاجه من مكانه، فسار معهم مضطراً، فلما وصل إلى أبيه أذن له وحده دون غيره، فدخل عليه وعنده جمع من أصحابه المحامين عنه، فلما دخل عليه تشاكيا ما هما فيه، وعرض عليه منوجهر أن يكون بين يديه في قتال أولئك القوم ودفعهم وإن ذهبت نفسه. فرأى شمس المعالي ضد ذلك، وسهل عليه حيث صار الملك إلى ولده، فسلم إليه خاتم الملك، ووصاه بما يفعله، واتفقا على أن ينتقل هو إلى قلعة جناشك يتفرغ للعبادة إلى أن يأتيه اليقين وينفرد منوجهر بتدبير الملك.
وسار إلى القلعة المذكورة مع من اختاره لخدمته، وسار منوجهر إلى جرجان، وتولى الملك وضبطه ودارى أولئك الأجناد، وهم نافرون، خائفون من شمس المعالي ما دام حياً، فما زالوا يحتالون ويجيلون الرأي حتى دخلوا إلى منوجهر وخوفوه من أبيه مثل ما جرى لهلال بن بدر مع أبيه، وقالوا له: مهما كان والدك في الحياة لا نأمن نحن ولا أنت؛ واستأذنوه في قتله، فلم يرد عليهم جواباً، فمضوا إليه إلى الدار التي هو فيها، وقد دخل إلى الطهارة متخففاً، فأخذوا ما عنده من كسوة، وكان الزمان شتاء، وكان يستغيث: أعطوني ولو جل دابة! فلم يفعلوا فمات من شدة البرد؛ وجلس ولده للعزاء، ولقب القادر بالله منوجهر فلك المعالي.
ثم إن منوجهر راسل يمين الدولة، ودخل في طاعته، وخطب له على منابر بلاده، وخطب إليه أن يزوجه بعض بناته، ففعل، فقوي جنانه، وشرع في التدبير على أولئك الذين قتلوا أباه، فأبادهم بالقتل والتشريد.
وكان قابوس غزير الأدب، وافر العلم، له رسائل وشعر حسن، وكان عالماً بالنجوم وغيرها من العلوم، فمن شعره:
قل للذي بصروف الدهر عيّرنا ** هل عاند الدهر إلا من له خطر

أما ترى البحر يطفو فوقه جيفٌ ** وتستقرّ بأقصى قعره الدّرر

فإن تكن نشبت أيدي الخطوب بنا ** ومسّنا من توالي صرفها ضرر

ففي السماء نجومٌ غير ذي عدد ** وليس يكسف إلاّ الشمس والقمر

.ذكر موت ايلك الخان وولاية أخيه طغان خان:

في هذه السنة توفي ايلك الخان وهو يتجهز للعود إلى خراسان، ليأخذ بثأره من يمين الدولة، وكاتب قدرخان وطغان خان ليساعداه على ذلك.
فلما توفي ولي بعده أخوه طغان، فراسل يمين الدولة وصالحه، وقال له: المصلحة للإسلام والمسلمين أن تشتغل أنت بغزو الهند، وأشتغل أنا بغزو الترك، وأن يترك بعضنا بعضاً؛ فوافق ذلك هواه، فأجابه إليه، وزال الخلاف، واشتغلا بغزو الكفار.
وكان ايلك الخان خيراً، عادلاً، حسن السيرة، محباً للدين وأهله، معظماً للعلم وأهله، محسناً إليهم.

.ذكر وفاة بهاء الدولة وملك سلطان الدولة:

في هذه السنة، خامس جمادى الآخرة، توفي بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة بن بويه، وهو الملك حينئذ بالعراق، وكان مرضه تتابع الصرع مثل مرض أبيه، وكان موته بأرجان، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي، عليه السلام، فدفن عند أبيه عضد الدولة، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وتسعة أشهر ونصفاً، وملكه أربعاً وعشرين سنة.
ولما توفي ولي الملك بعده ابنه سلطان الدولة أبو شجاع، وسار من أرجان إلى شيراز، وولى أخاه جلال الدولة أبا طاهر بن بهاء الدولة البصرة، وأخاه أبا الفوارس كرمان.

.ذكر ولاية سليمان الأندلس الدولة الثانية:

في هذه السنة ملك سليمان بن الحاكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر الأموي، ولقب المستعين، وهذه غير ولايته، منتصف شوال، على ما ذكرناه سنة أربعمائة، وبايعه الناس وخرج أهل قرطبة إليه يسلمون عليه، فأنشد متمثلاً:
إذا ما رأوني طالعاً من ثنيّةٍ ** يقولون من هذا، وقد عرفوني

يقولون لي أهلاً وسهلاً ومرحباً ** ولو ظفروا بي ساعةً قتلوني

وكان سليمان أديباً شاعراً بليغاً، وأريق في أيامه دماء كثيرة لا تحد، وقد تقدم ذكر ذلك سنة أربعمائة، وكان البربر هم الحاكمين في دولته لا يقدر على خلافهم، لأنهم كانوا عامة جنده، وهم الذين قاموا معه حتى ملكوه، وقد تقدم ذكر ذلك.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة خلع سلطان الدولة على أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي، وهو أول من تقدم من أهل بيته.
وفيها تقلد الرضي الموسوي، صاحب الديوان المشهور، نقابة العلويين ببغداد، وخلع عليه سواد، وهو أول طالبي خلع عليه السواد.
وفيها توفي أبو بكر الخوارزمي واسمه محمد بن موسى، الفقيه الحنفي؛ وأبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي، نقيب الكوفة، وكان يسير الحاج عشر سنين؛ وأبو عبدالله الحسن بن حامد بن علي بن مروان، الفقيه الحنبلي، وله تصانيف في الفقه؛ والقاضي أبو بكر محمد بن الطيب المتكلم الأشعري:، وكان مالكي المذهب، رثاه بعضهم فقال:
انظر إلى جبلٍ تمشي الرجال به، ** وانظر إلى القبر ما يحوي من الصّلف

وانظر إلى صارم الإسلام منغمداً، ** وانظر إلى درّة الإسلام في الصّدف

وفيها قتل أبو الوليد عبدالله بن محمد، المعروف بابن الفرضي الأندلسي: بقرطبة، قتله البربر. ثم دخلت:

.سنة أربع وأربعمائة:

.ذكر فتح يمين الدولة ناردين:

في هذه السنة سار يمين الدولة إلى الهند في جمع عظيم وحشد كثير، وقصد واسطة البلاد من الهند، فسار شهرين، حتى قارب مقصده، ورتب أصحابه وعساكره، فسمع عظيم الهند به، فجمع من عنده من قواده وأصحابه، وبرز إلى جبل هناك، صعب المرتقى، ضيق المسلك، فاحتمى به، وطاول المسلمين، وكتب إلى الهنود يستدعيهم من كل ناحية، فاجتمع عليه منهم كل من يحمل سلاحاً، فلما تكاملت عدته نزل من الجبل، وتصاف هو والمسلمون، واشتد القتال وعظم الأمر.
ثم إن الله تعالى منح المسلمين أكتافهم فهزموهم، وأكثروا القتل فيهم، وغنموا ما معهم من مالٍ، وفيل، وسلاح، وغير ذلك.
ووجد في بيت بد عظيم حجراً منقوراً دلت كتابته على أنه مبني منذ أربعين ألف سنة، فعجب الناس لقلة عقولهم.
فلما فرغ من غزوته عاد إلى غزنة، وأرسل إلى القادر بالله يطلب منه منشوراً، وعهداً بخراسان وما بيده من الممالك، فكتب له ذلك، ولقب نظام الدين.

.ذكر ما فعله خفاجة دفعة أخرى:

في هذه السنة جاء سلطان بن ثمال، واستشفع بأبي الحسن بن مزيد إلى فخر الملك ليرضى عنه، فأجابه إلى ذلك، فأخذ عليه العهود بلزوم ما يحمد أمره، فلما خرج وصلت الأخبار بأنهم نهبوا سواد الكوفة، وقتلوا طائفة من الجند، وأتى أهل الكوفة مستغيثين، فسير فخر الملك إليهم عسكراً، وكتب إلى ابن مزيد وغيره بمحاربتهم، فسار إليهم، وأوقع بهم بنهر الرمان، وأسر محمد بن ثمال وجماعة معه، ونجا سلطان وأدخل الأسرى إلى بغداد مشهرين وحبسوا.
وهب على المنهزمين من بنى خفاجة ريح شديدة حارة، فقتلت منهم نحو خمسمائة رجل، وأفلت منهم جماعة ممن كانوا أسروا من الحجاج، وكانوا يرعون إبلهم وغنمهم، فعادوا إلى بغداد، فوجد بعضهم نساءهم قد تزوجن وولدن، واقتسمت تركاتهم.

.ذكر استيلاء طاهر بن هلال على شهرزور:

قد ذكرنا حال شهرزور، وأن بدر بن حسنويه سلمها إلى عميد الجيوش، فجعل فيها نوابه. فلما كان الآن سار طاهر بن هلال بن بدر إلى شهرزور، وقاتل من بها من عسكر فخر الملك، وأخذها منهم في رجب. فلما سمع الوزير الخبر أرسل إلى طاهر يعاتبه، ويأمره بإطلاق من أسر من أصحابه، ففعل، ولم تزل شهرزور بيد طاهر إلى أن قتله أبو الشوك، وأخذها منه، وجعلها لأخيه مهلهل.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة سار أبو الحسن علي بن مزيد الأسدي إلى أبي الشوك على عزم محاربته، فاصطلحا من غير حرب، وتزوج ابنه أبو الأغر دبيس بن علي بأخت أبي الشوك.
وفيها توفي القاضي أبو الحسن علي بن سعيد الإصطخري، وهو شيخ من شيوخ المعتزلة ومشهوريهم، وكان عمره قد زاد على ثمانين سنة، وله تصانيف في الرد على الباطنية. ثم دخلت:

.سنة خمس وأربعمائة:

.ذكر غزوة تانيشر:

قد ذكر ليمين الدولة أن بناحية تانيشر فيلة من جنس فيلة الصيلمان الموصوفة في الحرب، وأن صاحبها غالٍ في الكفر والطغيان، والعناد للمسلمين، فعزم على غزوه في عقر داره، وأن يذيقه شربة من كأس قتاله، فسار في الجنود والعساكر والمتطوعة، فلقي في طريقه أودية بعيدة القعر، وعرة المسالك، وقفاراً فسيحة الأقطار والأطراف، بعيدة الأكناف، والماء بها قليل، فلقوا شدة، وقاسوا مشقة إلى أن قطعوها.
فلما قاربوا مقصدهم لقوا نهراً شديد الجرية، صعب المخاضة، وقد وقف صاحب تلك البلاد على طرفه، يمنع من عبوره، ومعه عساكره، وفيلته التي كان يدل بها. فأمر يمين الدولة شجعان عسكره بعبور النهر، وإشغال الكافر بالقتال ليتمكن باقي العسكر من العبور، ففعلوا ذلك، وقاتلوا الهنود، وشغلوهم عن حفظ النهر، حتى عبر سائر العسكر في المخاضات، وقاتلوهم من جميع جهاتهم إلى آخر النهار، فانهزم الهند، وظفر المسلمون، وغنموا ما معهم من أموال وفيلة، وعادوا إلى غزنة موفرين ظافرين.

.ذكر قتل بدر بن حسنويه وإطلاق ابنه هلال وقتله:

في هذه السنة قتل بدر بن حسنويه أمير الجبل.
وكان سبب قتله أنه سار إلى الحسين بن مسعود الكردي ليملك عليه بلاده، فحصره بحصن كوسحد، فضجر أصحاب بدر منه لهجوم الشتاء، فعزموا على قتله، فأتاه بعض خواصه وعرفه ذلك، فقال: فمن هم الكلاب حتى يفعلوا ذلك! وأبعدهم، فعاد إليه، فلم يأذن له، فقال من وراء الخركاة: الذي أعلمتك قد قوي العزم عليه؛ فلم يلتفت إليه.
وخرج فجلس على تل، فثاروا به، فقتله طائفة منهم تسمى الجورقان، ونهبوا عسكره، وتركوه وساروا. فنزل الحسين بن مسعود، فرآه ملقىً على الأرض، فأمر بتجهيزه وحمله إلى مشهد علي، عليه السلام، ليدفن فيه، ففعل ذلك.
وكان عادلاً، كثير الصدقة والمعروف، كبير النفس، عظيم الهمة. ولما قتل هرب الجورقان إلى شمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة بن بويه، فدخلوا في طاعته.
وكان طاهر بن هلال بن بدر هارباً من جده بنواحي شهرزور، فلما عرف بقتله بادر يطلب ملكه، فوقع بينه وبين شمس الدولة حرب، فأسر طاهر وحبس وأخذ ما كان قد جمعه بعد أن ملك نائباً من أبيه هلال، وكان عظيماً، وحمله إلى همذان، وسار اللرية والشاذنجان إلى أبي الشوك، فدخلوا في طاعته.
وحين قتل كان ابنه هلال محبوساً عند الملك سلطان الدولة، كما ذكرنا، فلما قتل بدر استولى شمس الدولة بن فخر الدولة بن بويه على بعض بلاده، فلما علم سلطان الدولة بذلك أطلق هلالاً وجهزه وسيره ومعه العساكر ليستعيد ما ملكه شمس الدولة من بلاده. فسار إلى شمس الدولة، فالتقيا في ذي القعدة، واقتتل العسكران، فانهزم أصحاب هلال، وأسر هو، فقتل أيضاً، وعادت العساكر التي كانت معه إلى بغداد على أسوإ حال.
وكان ممن أسر معه أبو المظفر أنوشتكين الأعرابي، وكان في مملكة بدر سابور خواست، والدينور، وبروجرد، ونهاوند، وأسداباذ، وقطعة من أعمال الأهواز، وما بين ذلك من القلاع والولايات.

.ذكر الحرب بين علي بن مزيد وبين بني دبيس:

في هذه السنة، في المحرم، كانت الحرب بين أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي وبين مضر، ونبهان، وحسان، وطراد بني دبيس.
وسببها أنهم كانوا قد قتلوا أبا الغنائم بن مزيد أخا أبي الحسن في حرب بينهم، وقد تقدم ذكرها، وحالت الأيام بينه وبين الأخذ بثأره، فلما كان الآن تجهز لقصدهم، وجمع العرب، والشاذنجان، والجوانية، وغيرهما من الأكراد وسار إليهم، فلما قرب منهم خرجت زوجته ابنة دبيس وقصدت أخاها مضر بن دبيس ليلاً، وقالت له: قد أتاكم ابن مزيد فيما لا قبل لكم به، وهو يقنع منكم بإبعاد نبهان قاتل أخيه، فأبعدوه، وقد تفرقت هذه العساكر. فأجابها أخوها مضر إلى ذلك، وامتنع أخوه حسان.
فلما سمع ابن مزيد بما فعلته زوجته أنكره، وأراد طلاقها، فقالت له: خفت أن أكون في هذه الحرب بين فقد أخٍ حميم، أو زوج كريم، ففعلت ما فعلت رجاء الصلاح؛ فزال ما عنده منها، وتقدم إليهم، وتقدموا إليه بالحلل والبيوت، فالتقوا واقتتلوا، واشتد القتال لما بين الفريقين من الدخول، فظفر ابن مزيد بهم، وهزمهم وقتل حسان ونبهان ابني دبيس، واستولى على البيوت والأموال، ولحق من سلم من الهزيمة بالحويزة.
ولما ظفر بهم رأى عندهم مكاتبات فخر الملك يأمرهم بالجد في أمره، ويعدهم النصرة، فعاتبه على ذلك، وحصل بينهما نفرة، ودعت فخر الملك الضرورة إلى تقليد ابن مزيد الجزيرة الدبيسية، واستثنى مواضع منها: الطيب وقرقوب وغيرهما، وبقي أبو الحسن هناك إلى جمادى الأولى.
ثم إن مضر بن دبيس جمع جمعاً، وكبس أبا الحسن ليلاً، فهرب في نفر يسير، واستولى مضر على حلله وأمواله، وكل ماله، ولحق أبو الحسن ببلد النيل منهزماً.

.ذكر ملك شمس الدولة الري وعوده عنها:

لما ملك شمس الدولة بن فخر الدولة ولاية بدر بن حسنويه وأخذ ما في قلاعه من الأموال عظم شأنه، واتسع ملكه، فسار إلى الري، وبها أخوه مجد الدولة، فرحل عن الري ومعه والدته إلى دنباوند، وخرجت عساكر الري إلى شمس الدولة مذعنة بالطاعة، ودخل الري وملكها، وخرج منها يطلب أخاه ووالدته، فشغب الجند عليه، وزاد خطبهم، وطالبوه مطالبات اتسع الخرق بها، فعاد إلى همذان وأرسل إلى أخيه ووالدته يأمرهما بالعود إلى الري، فعادا.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة، في شعبان، توفي أبو الحسن أحمد بن علي البتي، الكاتب الشاعر، ومن شعره في تكةً:
لم لا أتيه ومضجعي ** بين الرّوادف والخصور

وإذا نسجت، فإنّني ** بين الترائب والنّحور

ولقد نشأت صغيرةً ** فأكفّ ربّات الخدور

وله نوادر كثيرة منها أنه شرب قفاعاً في دار فخر الملك، فلم يستطبه، فجلس مفكراً، فقال له الفقاعي: في أي شيء تفكر؟ فقال: في دقة صنعتك، كيف أمكنك الخراء في هذه الكيزان الضيقة كلها.
وفي رمضان منها قتل القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الفقيه، وكان من أئمة أصحاب الشافعي، وكان قاضي الدينور، قتله طائفة من عامتها خوفاً منه، وتوفي أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن نباتة السعدي الشاعر؛ والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، قاضي بغداد، وولي بعده قضاء القضاة أبو الحسن بن أبي الشوارب البصري.
وتوفي أبو أحمد عبد السلام بن الحسن البصري الأديب؛ وأبو القاسم هبة الله بن عيسى، كاتب مهذب الدولة بالبطيحة، وهو من الكتاب المفلقين، ومكاتباته مشهورة؛ وكان ممدحاً، وممن مدحه ابن الحجاج.
وتوفي أيضاً عبدالله بن محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس أبو سعيد الإدريسي، الاستراباذي، الحافظ، نزيل سمرقند، وهو مصنف تاريخ سمرقند.
وتوفي أيضاً الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله النيسابوري، صاحب التصانيف الحسنة المشهورة؛ وأبو الحسن بن عياض، وكان يلقب الناصر، وكان يتولى الأهواز، وقام ولده بنكير مقامه؛ وأبو عي الحسين بن الحسين بن حمكان الهمذاني، الفقيه الشافعي، وكان إماماً عالماً. ثم دخلت:

.سنة ست وأربعمائة:

.ذكر الفتنة بين باديس وعمه حماد:

في هذه السنة ظهر الاختلاف بين الأمير باديس، صاحب إفريقية، وعمه حماد، حتى آل الأمر بينهما إلى الحرب التي لا بقيا بعدها.
وسبب ذلك أن باديس أبلغ عن عمه حماد قوارص وأموراً أنكرها، فاغضى عليها، حتى كثر ذلك عليه،! وكان لباديس ولد اسمه المنصور أراد أن يقدمه ويجعله ولي عهده، فأرسل إلى عمه حماد يقول له بأن يسلم بعض ما بيده من الأعمال التي أقطعه إلى نائب ابنه المنصور، وهي مدينة تيجس، وقصر الإفريقي وقسطنطينة، وسير إلى تسليم ذلك هاشم بن جعفر، وهو من كبار قوادهم، وسير معه عمه إبراهيم ليمنع أخاه حماداً من أمر إن أراده. فسار إلى أن قاربا حماداً، ففارق إبراهيم هاشماً، وتقدم إلى أخيه حماد، فلما وصل إليه حسن له الخلاف على باديس، ووافقه على ذلك، وخلعا الطاعة، وأظهرا العصيان، وجمعا الجموع الكثيرة، فكانوا ثلاثين ألف مقاتل.
فبلغ ذلك باديس، فجمع عساكره وسار إليهما، ورحل حماد وأخوه إبراهيم إلى هاشم بن جعفر والعسكر الذين معه، وهو بقلعة شقنبارية، فكان بينهم حرب انهزم فيها: ابن جعفر ولجأ إلى باجة، وغنم حماد ماله وعدده، فرحل باديس إلى مكان يسمى قبر الشهيد، فأتاه جمع كثير من عسكر عمه حماد، ووصلت كتب حماد وإبراهيم إلى باديس أنهما ما فارقا الجماعة، ولا خرجا عن الطاعة، فكذبهما ما ظهر من أفعالهما من سفك الدماء، وقتل الأطفال، وإحراق الزروع والمساكن، وسبي النساء.
ووصل حماد إلى باجة فطلب أهلها منه الأمان، فأمنهم، واطمأنوا إلى عهده، فدخلها يقتل وينهب ويحرق ويأخذ الأموال.
وتقدم باديس إليه بعساكره، فلما كان في صفر سنة ست وأربعمائة، وصل حماد إلى مدينة أشير، وهي له، وفيها نائبه، واسمه خلف الحميري، فمنعه خلف من دخولها، وصار في طاعة باديس، فسقط في يد حماد، فإنها هي كانت معولة لحصانتها وقوتها.
ووصل باديس إلى مدينة المسيلة، ولقيه أهلها، وفرحوا به، وسير جيشاً إلى المدينة التي أحدثها حماد، فخربوها إلا أنهم لم يأخذوا مال أحمد، وهرب إلى باديس جماعة كثيرة من جند القلعة التي له، وفيها أخوه إبراهيم، فأخذ إبراهيم أبناءهم، وذبحهم على صدور أمهاتهم، فقيل إنه ذبح بيده منهم ستين طفلاً، فلما فرغ من الأطفال قتل الأمهات.
وتقارب باديس وحماد، والتقوا مستهل جمادى الأولى، واقتتلوا أشد قتال وأعظمه، ووطن أصحاب باديس أنفسهم على الصبر أو الموت لما كان حماد يفعله لمن يظفر به، واختلط الناس بعضهم ببعض، وكثر القتل، ثم انهزم حماد وعسكره لا يلوي على شيء، وغنم عسكر باديس أثقاله وأمواله، وفي جملة ما غنم منه عشرة آلاف درقة مختارة لمط، ولولا اشتغال العسكر بالنهب لأخذ حماد أسيراً.
وسار حتى وصل إلى قلعته تاسع جمادى الأولى، وجاء إلى مدينة دكمة، فتجنى على أهلها، فوضع السيف فيهم، فقتل ثلاثمائة رجل. فخرج إليه فقيه منها وقال له: يا حماد إذا لقيت الجيوش انهزمت، وإذا قاومتك الجموع فررت، وإنما قدرتك وسلطانك على أسير لا قدرة له عليك؛ فقتله وحمل جميع ما في المدينة من طعام وملح وذخيرة إلى القلعة التي له.
وسار باديس خلفه، وعزم على المقام بناحيته، وأمر بالبناء، وبذل الأموال لرجاله، فاشتد ذلك على حماد، وأنكر رجاله، وضعفت نفسه، وتفرق عنه أصحابه.
ثم مات ورو بن سعيد الزناتي المتغلب على ناحية طرابلس، واختلفت كلمة زناتة، فمالت فرقة مع أخيه خزرون، وفرقة مع ابن ورو، فاشتد ذلك أيضاً على حماد، وكان يطمع أن زناتة تغلب على بعض البلاد، فيضطر باديس إلى الحركة إليهم.